من حضرموت ومن مديرية غيل باوزير نرحب بك زائرنا الكريم في موقعنا ونرجو لك زيارة حميدة ومعلومات مفيدة

هذا الموقع بني لأجل نفع المسلمين عامة وللمساهمة في تعليم الناس الخير بالمستطاع ، وتزيد فائدته بملاحظاتكم ومقترحاتكم فنسأل الله أن ينفع به .. علماً أن جميع الحقوق محفوظة لصاحب الموقع

الثلاثاء، 15 يونيو 2010

من ذكرياتي مع الطالب محمد خالد رحمه الله


من ذكرياتي مع الطالب محمد خالد ـ رحمه الله ـ

لم تكن سنة دراسية كغيرها من سنوات الدراسة حسبما بدت لي من أول يوم التقيت فيه بطلاب الصف التاسع ،
المكان هو المكان : مدرسة 14 أكتوبر للتعليم الأساسي .
والمدينة هي المدينة : مدينة غيل باوزير الغالية العزيزة .
كان شعوري بتغير جرى ويجري وهو جارٍ في كل لحظات زماني وساعاتي ، كان طلاب الفصلين يختلفون عن طلاب السنة الماضية ، إذ تنبعث منهم رائحة التواضع وتشع في وجوههم أنوار الفضيلة وتعلوهم مسحات السكينة .
هنا أدركت الفرق والخصوصية في تلك الدفعة
غير أن طلاب فصل من الفصلين تميز فيهم تميُّز لم أدرك كنه انفراده عن مثيله ، ولم أتفرس في سرّ غموضه
بدا لي منهم طالبٌ جالسٌ في الصف الأول من الفصل ، لمحته باستراق يراقب حركاتي يتابع سكناتي عن قرب
وعن عناية كأنه أعارني سمعه وبصره بل ربما قلبه .
قلت في نفسي لعله الأول في دفعته ، وكان حديثي عن أهمية اللغة العربية وأهمية دراستها والاعتناء بها ،
فخطر ببالي أن أوجه إليه سؤالاً أختبر به مستواه ، فوجهت السؤال إلى جميع الطلاب ثم عينته واخترته للإجابة
فنهض واقفاً ، نهوضاً الوقور وانتصب قائماً انتصاب الخجول ، أخذ يصول ويجول بكلمات ليجد جواب السؤال
فلم يوفق إليه ، لكن بدت منه ابتسامات توحي إليّ بهمس رقيق : أن اعذرني يا أستاذ ؛ لم يتلفظ بها ولكنني فهمتها
من لغة البسمة ، وانكسار العيون .
هنا دافعني فضولي لمعرفة اسمه فباغتّه بالسؤال : ما اسمك؟ فأجاب : محمد . أذنت له بالجلوس .
والذي شدّ انتباهي حينها أن طلاب الصف جميعاً ينظرون إليه يرتقبون منه إجابة وعندما أجلسته تبسم جماعة منهم
عرفت بعد أيام أنهم أقرب أصدقائه .
وبعد أيام أدركت أن لهذا الطالب خلقاً طيباً يجود به على أصدقائه وزملائه ، كان سريع التسامح بدهيّ العفو واسع الصدر حتى للكلمات الجارحة من زملائه ، مطبوعاً على حب الألفة مع زملائه . بل مع مدرسيه لاحظت لطافته مع مدرسيه ومحاوراته لهم في ساحات المدرسة .
غير أنني كنت صاحب النصيب الأوفر من النقاش والأسئلة في الاستراحات ( الفسح) كنت أسمع له من غير ملل
وأنصت له من غير كلل وأعطيه من وقت راحتي في ( الفسحة) وقتاً ربما أخذها كلها وهو يطوف بالأسئلة
عن اللغة العربية كان يشعر بخوف من دراسة الصف التاسع وينتابه قلق من امتحان الشهادة ، لكنني كنت أهدئ من روعه فينصرف قائلاً شكراً يا أستاذ طمأنتني .
كانت له غرائب في الصف ، اقترح أحدهم طبع مذكرة لحل الأسئلة الخاصة بالامتحانات السابقة فقلت هناك تكلفة مالية كبيرة لطباعة المذكرة فقال : على الفور أنا أطبعها على حسابي ، ضحك بعض الطلاب وتبسمت ، فقال : أنا جادّ في كلامي !!.
في سير أيام الدراسة كانت له تقطعات يغيب فيها لمرض يعاوده .
حتى جاءت ليلة ليست كالليالي ولحظة ليست كاللحظات ؛ بعد أن سلّم عليّ أحد أصدقائي ليخبرني بأنه جاء من جنازة تلميذي محمدٍ ، انتفضتْ فرائصي انتفاضة المصعوق كان صوته كالرعد صكّ أذنيّ صكاّ يبست منه شفتاي ، وما كان مني إلا أن قلت : الحمد لله ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، تسمرت مكاني ، وطاف خيال محمد حولي كطيف سحاب بارد يهطل منه مطر كالبرد على جسدي، وأنا أردد :إنا لله وإنا إليه راجعون .
لم تكن ساعات ليلي حينها طبيعية بل طالت وأنا أطويها وأطويها وهي تمتدّ ثقيلة مملة كنت أرتقب الصباح .
دخلت المدرسة ؛ لم يكن هناك طابور ، إذ لم تتحمّل نفوس الطلاب طابوراً من دون محمد ، فأمر مدير المدرسة بدخول الطلاب دون طابور .
أما طلاب الصف التاسع جميعاً وطلاب فصل محمد خاصة كانوا أسارى البكاء ، وغرقى الدموع ، فما رأيت طلاباً قد حزنوا على زميل لهم كحزن زملاء محمد على زميلهم ، كان المشهد محزناً ، والبكاء يدب دبيباً حتى وصل مكاتب المدرسين .
حينها طلب المدير من بعض المدرسين بصرف طلاب الصف التاسع إلى بيوتهم ليعودوا في اليوم الثاني إلى حجرة دراسية أخرى غير التي هم فيها .
وفي اليوم الثاني كنت أجرجر كلمات الشرح جرجرةً الكليل ، لم أكمل الدرس ...
هكذا لا ترسي الذكريات قواعدها إلا لأجل عزيز ترك صدىً حفر في القلوب لحظات الودّ والإخاء والخلق الفاضل
ليبقي له مكانة لا تنسى مدى الحياة .
كما صنع ابننا وتلميذنا محمد خالد بامطرف ، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به في فردوسه الأعلى مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً
اللهم آمين ، آمين .